أمنوس.ما : محمد شعو
في سياق يتسم بالاحتقان الاجتماعي وتعدد بؤر الغضب الشعبي، برزت خلال العقدين الأخيرين ديناميات احتجاجية متتالية في المغرب: من حركة 20 فبراير سنة 2011، مرورًا بحراك الريف وجرادة، وصولًا إلى حملة المقاطعة للمنتجات 2018، ثم نضالات الأساتذة المتعاقدين. ورغم اختلاف السياقات والأهداف، فقد كشفت هذه الحركات جميعها عن عجز الأحزاب السياسية والنقابات التقليدية، بل وحتى جمعيات المجتمع المدني، عن لعب دور الوسيط الحقيقي أو الإطار الجامع للشباب المغربي.
إنّ فشل هذه المؤسسات الوسيطة في الاستجابة لمطالب الأجيال الجديدة أو في احتضان طاقاتها، جعل الشباب يبحثون عن بدائل خارج القوالب التقليدية. وهكذا برزت حركة GenZ212 كنموذج جديد للحركات الاجتماعية التي انطلقت من الفضاء الرقمي، متحررة من ثقل البنيات القديمة ومن وصاية الأطر الحزبية، قبل أن تتجه نحو الفضاء العام في مظاهرات مباشرة.
في هذا السياق بالذات، عاد اسم الالتراس إلى واجهة النقاش، باعتباره فاعلًا شبابيًا مستقلًا ومشبعًا بثقافة احتجاجية خاصة، قائمة على الأغاني الساخرة، الشعارات السياسية، والرسائل المبطنة التي كثيرًا ما تتجاوز المستطيل الأخضر نحو قضايا الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد تكرّس هذا الحضور مؤخرًا مع صدور بيانات عدة من طرف فصائل معروفة (الأورونج بويز، الشارك فاميلي، هيركوليس) أعلنت عن مقاطعتها لمباريات فرقها هذا الأسبوع، في خطوة رمزية تحمل أبعادًا أبعد من الرياضة.
بيان الأورونج بويز 2007 المساند لنهضة بركان، جاء شديد اللهجة، مؤكدًا أن: “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه”. إذ اعتبر أن غياب الجماهير عن المدرجات ليس مجرد خيار رياضي، بل خطوة احتجاجية على التهميش والهجرة والفقر، مؤكدًا أن “صوت الشرق” حاضر في معارك الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.
أما الشارك فاميلي المساند لأولمبيك آسفي، فقد أعلن بلغة صريحة: “لن تدق طبولنا على كرامة المواطن في الشارع العام وهو يطالب بأبسط الحقوق”. هنا تتجلى رؤية ترى في كرة القدم وسيلة للتعبير، لكن الأولوية تُمنح لقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية، فالفصيل أعاد التذكير بانتمائه إلى “الطبقة الشعبية”، وأن جماهيره ليست منفصلة عن هموم المجتمع.
أما مجموعة هيركوليس المساندة لاتحاد طنجة، فاختارت لغة مقتضبة في بيانها، مكتفية بالإعلان عن المقاطعة مع وعد بتفاصيل لاحقة، في إشارة إلى موقف مشابه قد يتضح أكثر في الأيام المقبلة. وتزامنا مع هاته المواقف فقد رفع ايضا جمهور الوداد في اخر مبارات له لافتة تحت عبارة ” لا صحة لا تعليم حسن عوان جيب”، عبارة بالدارجة المغربية تشير للحالة التي وصل اليها الامر و موقف شباب الوطن منها حيث تعبر بشكل مباشر عن تدهور الخدمات الأساسية وارتفاع تكاليف المعيشة.
ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها مدرجات الكرة إلى منابر احتجاجية. فمنذ منتصف العقد الماضي، برزت أغاني الالتراس المغربية كلغة بديلة عن الخطاب السياسي التقليدي. أغنية “في بلادي ظلموني” التي أبدعتها ”كورفا سود” (الرجاء البيضاوي) سنة 2018 تحولت إلى أيقونة تجاوزت أسوار الملاعب، وتُرجمت إلى لغات عدة، بعدما التقطها الشارع كصرخة جيل يبحث عن العدالة والكرامة. كما لم يغب صوت الالتراس عن حراك الريف حيث كانت جماهير الحسيمة والريف عمومًا توظف شعارات الملاعب في المسيرات. بل إنّ فصائل عدة انخرطت في التعبير عن التضامن مع معتقلي الحراك، بما في ذلك عبر لافتات ضخمة داخل الملاعب.
إلى جانب ذلك، لعبت الالتراس أدوارًا رمزية خلال حملة المقاطعة سنة 2018، حيث انتشرت شعاراتها على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها تعبيرًا صادقًا عن سخط الطبقات الشعبية. ومن خلال تتبع مسار الحركات الاحتجاجية في المغرب خلال العقدين الأخيرين، يمكن الوقوف على ثلاث سمات أساسية:
1. تراجع الوساطة الحزبية والنقابية: إذ لم تعد الأحزاب قادرة على استقطاب الشباب أو تأطيرهم، ما خلق فراغًا ملأته الحركات العفوية والفضاءات البديلة.
2. صعود الفضاء الرقمي: الذي تحول إلى مختبر للتنظيم، التعبئة، ونشر الوعي، كما تجلى في حراك 20 فبراير وصولًا إلى GenZ212.
3. تلاقي الثقافات الاحتجاجية: حيث تمازج خطاب الالتراس مع شعارات الحركات الاجتماعية، مُنتجًا لغة جديدة أقرب إلى الشارع منها إلى القاعات الحزبية.
خطوة المقاطعة الأخيرة تعني أنّ مجموعات الالتراس لم تعد مجرد جمهور كروي، بل أصبحت فاعلًا اجتماعيًا يحجز لنفسه مكانًا في ساحة الاحتجاج المغربية. وإذا ما التقت ثقافة المدرج بثقافة GenZ212، فقد نكون أمام طور جديد من الحركات الاجتماعية في المغرب، حيث تتحول كرة القدم إلى خزان بشري وشعبي يغذي دينامية احتجاجية أشمل. فالمرحلة الراهنة تطرح عدة تساؤلات جريئة حول تموضع الالتراس ببقائه كصوت رمزي يرفع الشعارات في الملاعب؟ أم ان الطبيعة التنظيمية التي تتميز بها هاته المجموعات و هي الافقية ستعجل من الانخراط الفعلي في احتجاجات GenZ212 و تشكل وقودا تنظيميا و حاضنة احتجاجية جديدة؟
Add a Comment